19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د.القشعان يتناول دور الدين في حفظ استقرار الرابطة الزوجية (2/2)

22 يناير 2012

* الإسلام يرى أن قوة المجتمع لا تتحقق إلا بتأسيس أسرة متماسكة تسود فيها القيم والتعاليم الربانية

* الشريعة وضعت الأسس والمعايير التي تضمن كفاءة مؤسسة الزواج والنظام الأسري

* التوجيهات النبوية تؤكد أهمية السلوك الإيجابي والرعاية المسؤولة في تعزيز العلاقة الزوجية

* الإسلام يفتح آفاقا واسعة للتصافح والتغافر بتأكيداته على أهمية عدم تتبع العثرات

بعد أن أثبت استشاري الأسرة والمراهقة والأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت الدكتور حمود القشعان في الجزء السابق من دراسته " دور الاعتدال في التدين لدى الزوجين في إيجاد التكامل والرضا النفسي والسلوكي في العلاقة الزوجية - دراسة ميدانية" أن المتدينين هم الأكثر رضا وسعادة في الحياة الزوجية، راح يوضح ويفسر في الجزء الثاني أهم الأسباب والمقاصد والأدبيات الإسلامية التي تسهم في تحقيق السعادة.

وفي هذا الإطار يرى الإسلام أن قوة المجتمع، لا تتحقق إلا بتأسيس أسرة متماسكة تسود فيها القيم والتعاليم الربانية، التي يؤكدها الزوجان عن طريق التزامهما بتعاليم الدين الإسلامي الذي يفرق بين الحلال والحرام، ويبين الصواب من الخطأ في تلك العلاقة الإنسانية الحميمة، ويحدد الحقوق والواجبات لطرفي العلاقة الزوجية.

الإسلام نظام حياة

وانطلاقا من أن الإسلام دين عقيدة ونظام حياة للفرد، والأسرة، والمجتمع ، عرض د.القشعان جملة من الأسباب التي تدعو المختصين المسلمين في مجال العلوم الاجتماعية للتعويل على أهمية الدين الإسلامي بصفة خاصة، في حفظ استقرار الرابطة الزوجية، وتتلخص أهم هذه الأسباب فيما يلي :

1 - أصالة وعمق درجة الإيمان بالله لدى الناس بالمجتمعات الإسلامية، بغض النظر عن درجة الالتزام بتعاليم الدين.

2 - سرعة اللجوء إلى الله من جانب أغلبية الناس عند اشتداد الأزمات النفسية والاجتماعية لديهم.

3 - احترام الناس لتعاليم الدين حتى وإن لم يمارسوها "قدسية كلام الله".

4 - عدم الإلمام والوعي الكافي لدى المختصين بالعلوم الاجتماعية والنفسية (الأخصائيين

الاجتماعيين والنفسيين ) بأمور الدين وربطها بالحياة اليومية، جعل الناس لا تثق بهم أو بدورهم في حل المشكلات الأسرية .

5 - تكمن أهمية التعاليم الدينية في العملية الإرشادية بشكل كبير في تحديد مرجعية المغالاة في الحقوق والواجبات الفردية والأسرية.

6 - ارتباط مؤسسة الزواج من حيث الأحكام والحقوق والواجبات بالإطار الديني وبالشريعة الإسلامية خاصة فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية.

كفاءة مؤسسة الزواج

وأضاف د. القشعان : لقد أرسل الله عز وجل رسله لهداية الناس وحفظ مقاصد الشريعة، ومن بين هذه المقاصد حفظ النسل، كما وضع الإسلام الأسس والمعايير التي تضمن كفاءة مؤسسة الزواج والنظام الأسري، فالدين الإسلامي يحث على أهمية مراعاة حق الله في العلاقة الزوجية، ففي سنن ابن ماجه يروى الحديث النبوي "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" ، والمعنى بذلك أن الخيرية والسعادة لمن يسعى لإسعاد أفراد أسرته لأنه بذلك يحقق سعادتي الدنيا والأخر، وفى حديث آخر يرويه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكد على أهمية الدين كمعيار للاختيار الزوجي الناجح، فقال "تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" ، إذ أن الدين يأتي كأول وأهم معايير الاختيار في شريك الحيـاة.

الرعاية والمسؤولية

وحول أهمية العناية بأفراد الأسرة، أوضح د. القشعان أن الإسلام شدد على الاهتمام بأفرادها من منطلق الرعاية والمسؤولية، لقول الرسول الكريم (كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت) ، مشيرا إلى أن الإسلام قد حدد مقومات وعناصر تحقيق السعادة في البيت المسلم ، فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يصف البيت السعيد قائلا "من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح ، ومن شقوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء". إذاً يؤكد الإسلام على أن الزوجة أحد أهم عناصر السعادة للمرء في الدنيا.

وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد صفات تلك الزوجة الصالحة في الحديث الشريف ( إذا نظرت إليها سرّتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك وعرضك، وهذا دليل عظيم على أن التدين في الإسلام يختلف عن نظيره في الملل الأخرى، فالمسلم المتدين - سواء كان رجلا أو امرأة - يراقب الله في سلوكه وخواطره وفي سره وعلانيته.

وأردف الباحث قائلا: إن هذه التوجيهات النبوية جاءت لتؤكد أهمية السلوك الإيجابي والرعاية المسؤولة في تعزيز العلاقة الزوجية، وأنه لا قوامة دون إدارة، ولا إدارة أسرية دون مسؤولية، ولا مسؤولية دون قيم عليا تحقق الرضا الزوجي، وقد حثَّ الإسلام الزوج على خدمة أهله، إذ روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".

تهذيب السلوك

ولا يقتصر تهذيب الإسلام لسلوك المسلمين وخاصة في الحياة الزوجية على العموميات، وإنما يتناول أدق التفصيلات في التعامل اليومي بين الزوجين - كما يوضح د. القشعان- حيث يؤكد الإسلام أهمية التلاطف بين الزوجين، ويعتبره من أعمال الخير والبر، فيقول الرسول صلي الله عليه وسلم "وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك". وروى عنه عن طريق العرباض بن سارية "إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجر". ويعني ذلك أن التقرب والتلطف مع شريك الحياة حتى في أصغر الأمور كاللقمة أو شربة الماء يعتبره الإسلام عبادة وتقرباً لله عز وجل.

مراعاة الطبيعة الإنسانية

وترى الدراسة أن الإسلام يفتح آفاقا واسعة للتصافح والتغافر بتأكيداته على أهميه غض الطرف وعدم تتبع العثرات، فقد روي عن أنس قال "ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلي الله عليه وسلم " فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل".وهذا دليل على أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يغض طرفه عن كثير من الأمور التي قد تصل إلى هجره ".

وتشير الدراسة إلى أن هذا دليل على أن الإسلام يراعي الطبيعة الإنسانية في شخصية كل من الزوجين، وخاصة نفسيه الزوجة في حالة الغضب. لذا كان الصبر في مثل هذا الموقف رحمة ورجولة بعيداً عن التهور والتسرع الانفعالي، بل يراعى الحاجة الفطرية لدي الإنسان، وجعلها ضمن إطار الإنسانية المهذبة بعيداً عن المتعة الشهوانية، فقد أكد الرسول صلي الله عليه وسلم على الاستمتاع المباح لتحقيق التوافق النفسي والجسدي فقال" وفى بضع أحدكم صدقه، قالوا يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجراً" . وفى رواية أفتحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير" .

الحقوق المادية

أما فيما يتعلق بالحقوق المادية تجاه الأسرة فقد استعرضت الدراسة بعض جوانبها، فقد روى أبو داود في سننه أن معاوية بن صيدة سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم قائلاً ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت".

وفى رواية للبخاري أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال " إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة" . ولقد اعتبر الإسلام مسؤولية الزوج بالنفقة طريقاً للقوامة والتي نراها في المنظور النفسي الاجتماعي قوامة إدارة لشئون الأسرة وليست قوامة تسلط واستغلال، وظلم بحجه القوامة، من جانب آخر ينهى الإسلام كلا الزوجين عن التركيز على السلبيات في العلاقة الزوجية "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر".

هذه قبسات من آداب الإسلام الخاصة بالحياة الزوجية، - كما تبين الدراسة- والتي جاءت لتؤكد أن إتباع تعاليمه السامية وتوجيهاته النبيلة ما هي إلا تنمية للإنسانية، وتزكية للمجتمع، وطريق لمرضاة الله، ومنهاج حياة للفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة.

وفقنا الله لصالح القول والعمل، وفي الختام لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للسيد / د.حمود القشعان ، لما تفضل به علينا من علمه الوفير راجين المولى تبارك وتعالى له دوام الصحة والعافية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت